في وداع قلعة الطرب... صباح فخري | آراء

صباح فخري

 

وُلِدَ الفنّان السوريّ صباح فخري في مدينة حلب في الثاني من أيّار (مايو) عام 1933، وتوفّي في الثاني من تشرين الثاني (نومفبر) عام 2021. اشتهر فخري بغناء «القدود الحلبيّة» و«الموشّحات الأندلسيّة»، وقد درس في «معهد الموسيقى العربيّ» في حلب، ومن ثمّ في «معهد دمشق» الّذي تخرّج منه عام 1948.

نشأة صباح فخري في بيئة علميّة صوفيّة، وكان والده شيخًا لبعض الطرق الصوفيّة، فترعرع في فضاء مليء بالمقامات والأناشيد الصوفيّة وآلات الإيقاع، وكان تلقّى تعليمه صغيرًا على الأوزان الموسيقيّة فتطوّرت لديه موهبة موسيقيّة في وقت مبكّر. بدأ بالغناء في الحفلات المدرسيّة وغيرها، وفي سنّ المراهقة التقى بفخري البارودي، مؤسّس «المعهد الشرقيّ» في دمشق، فأعجب البارودي بصوته وحثّه على تنمية موهبته دراسيًّا، ومنحه لاحقًا لقب «صباح فخري»، كونه الأب الروحيّ له، وكان له دور في ثنيه عن مغادرة سوريا إلى مصر برفقة عازف الكمان السوريّ سامي الشوّا.

تعاقدت معه «الإذاعة السوريّة» الّتي تأسّست في الثالث من آذار (مارس) عام 1947، فبدأ يقدّم حفلاته الغنائيّة كلّ أسبوع، وكان للإذاعة معهد موسيقيّ تابع لها، فالتحق به صباح، حيث درس الموشّحات والإيقاعات ورقص السماح والقصائد والأدوار والصولفيج والعزف على العود، على يد أساتذة من كبار الموسيقيّين العرب أمثال الشيخ علي الدرويش، والشيخ عمر البطش، ومجدي العقيلي، ونديم إبراهيم الدرويش، ومحمّد رجب، وعزيز غنّام. وقد كان في شبابه موظّفًا في أوقات حلب ومؤذّنًا في «جامع الروضة» في المدينة.

أدّى فخري العديد من أغاني حلب التراثيّة في العديد من المهرجانات العربيّة والدوليّة، إلى جانب غنائه للتراث الشعريّ العربيّ من قصائد أبي فراس الحمدانيّ والمتنبّي، كما غنّى لابن الفارض والروّاس وابن زيدون وابن زهر الأندلسيّ ولسان الدين الخطيب. ومن أشهر أغانيه: «مالك يا حلوة مالك»، «خمرة الحبّ اسقنيها»، «يا طيرة طيري»، «قدّك الميّاس»، «يا مال الشام»، «أنا في سكرين من خمر وعين»، «يا شادي الألحان»، «ابعتلي جواب»، وغيرها الكثير من الأغاني والموشّحات.

كما شارك في أعمال سينمائيّة معروفة مثل مسلسل «الوادي الكبير» (1974) مع المطربة الراحلة وردة الجزائريّة، وفيلم «الصعاليك» (1965) مع دريد لحّام ومريم فخر الدين. 

حاز فخري على عديد الجوائز وشهادات التقدير من هيئات دوليّة وعربيّة ومنها شهادة تقدير لغنائه في «قاعة نوبل للسلام» في السويد على إحيائه للطرب العربيّ الأصيل، كما أدّى في «قاعة بيتهوفن» في مدينة بون الألمانيّة و«قاعة قصر المؤتمرات» في باريس. وتقلّد «وسام تونس الثقافي» على يد الرئيس التونسيّ السابق الحبيب بورقيبة عام 1975، و«وسام التكريم» من السلطان قابوس عام 2000، و«الميداليّة الذهبيّة» في «مهرجان الأغنية العربيّة» في دمشق عام 1978.

إثر رحيله صباح اليوم، الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، تواصلنا في فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مع عدد من الفنّانات والفنّانين السوريّين والفلسطينيّين، وسألناهم حول الراحل صباح فخري، فنّه وإرثه وشخصه، فكانت هذه الآراء والكلمات....

 

سنردّد دائمًا «الله»

ريم تلحمي

مَنْ يترك وراءه إرثًا غنائيًّا عظيمًا، وصوتًا يهتزّ له الفضاء، لا يموت ولا يفنى. سيبقى صوت صباح فخري الكبير المدهش أنيسًا جميلًا لجلساتنا وليالينا، وجلسات أولادنا من بعدنا، والأجيال الّتي ستأتي، وستتردّد دائمًا آهاتنا وأصوات تجلّينا بـ «الله» عندما يغنّي صباح فخري، وسنرقص مثله طربًا وفرحًا به ومعه؛ جالبُ الفرح ذاك، وسيكون دائمًا قفلة طيّبة لأفراحنا ولآخر الراقصين المتجلّين.

يستمتع صوتي حين يُغنّي صباح فخري، فيُصاب بالعدوى ويحفّني أنا التجلّي، فأتذكّر أبي، رحمه الله، يشغّل أشرطة تحمل صوته، كانت تصلنا عبر الأردنّ والضفّة الغربيّة، حيث أقف أنا في ريعان الصبا أتباهى أمام أبي والعائلة بأداء أغانيه.

فقدنا اليوم أحد رموز وأعمدة سوريا العربيّة، وستظلّ ذكراه أبديّة، رسولًا للفنّ السوريّ العربيّ والقدود الحلبيّة، وهرمًا من أهرامه.

رحم الله الفنّان العظيم صباح فخري، وألهم أهله ومحبّيه الصبر والسلوى. أعزّي نفسي ومحبّيه جميعًا.

ريم تلحمي – فنّانة فلسطينيّة

 

صباح الإنسان

ميّاس اليماني

لم يكن الأستاذ صباح فخري بالنسبة لي فنّانًا كبيرًا فقط، بل كان صديقًا مقرّبا للعائلة منذ كنت صغيرًا، وثمّة الكثير من القصص والمواقف لأنّ أبي قضى أغلب حياته برفقة الفنّان صباح مهندسًا للصوت لأكثر من ثلاثين عامًا، ولذلك كنّا قريبين جدًّا منه.

تتذكّر النّاس وتعرف صباح فخري فنّانًا كبيرًا، لكنّها لا تعرف أنّه أيضًا كان إنسانًا كبيرًا؛ لا أحد يعرف الأستاذ صباح إلّا ويتكلّم عن أخلاقه وقيمه وكم كان جيّدًا مع الناس وكم ساعد الكثيرين. أشعر بحزن كبير الآن، وكنت أجلس برفقة والدي قبل قليل نتحدّث ونسترجع القصص. رحمه الله وساعد أهله. بالنسبة ليلم يكن فنّانًا كبيرًا فقط، بل كان شخصًا عزيزًا عليّ وأنا فخور جدًّا بأنّه كان جزءًا من ذكرياتي ومن حياتي، وحتّى الآن، وكلّما سمعت أغنية «قدّك الميّاس»، أتذكّر كيف كان يمازحني عندما كنت صغيرًا ويقول لي:"عمّو هلّأ حغنّيلك ‘قدّك الميّاس‘ ولمّا حغنّيها حأطّلع عليك"؛ وفي ذلك الوقت كانت حفلاته تبدأ في العاشرة صباحًا وتنتهي صباح اليوم التالي، ومع ذلك، ورغم أنّني سأموت من النعاس، أظلّ مستيقظًا حتّى الرابعة فجرًا في انتظار غنائه لـ «قدّك الميّاس». حتّى الآن كلّما استمعت إلى الأغنية أضحك في نفسي، فله ذكريات قريبة جدًّا على قلبي. أترحّم عليه، وأشعر بالحزن على الفنّان، لكن أيضًا على الإنسان الخلوق المحترم الّذي كان جزءًا من تاريخي، وجزءًا من تاريخنا الفنّيّ جميعًا. رحم الله الأستاذ صباح.

ميّاس اليمانيّ - موسيقيّ سوريّ.

 

 

شريك اللحظات الجميلة

لينا شاماميان

سلامٌ لا ينقضي للصباح. شريك لحظاتنا الجميلة، مَنْ حمل في عباءته رائحة البلاد وقلّص وحشة الغربة، مَنْ حقّق المعادلة الصعبة فجمع أبسط الناس وأكثرهم ثقافة ووحّدهم بالاستماع لموسيقاه.

شكرًا لمدرسة غنائيّة سوريّة أصيلة، شكرًا لكلّ شيء علّمتنا إيّاه وتركت لنا، ولكلّ لحظات الفرح والسلطنة الّتي أعشتَنا إيّاها.

حلب اليوم حزينة، سوريا حزينة لغيابك؛ لكنّك أحببت الفرح.

بالسلامة حجّي... بالسلامة قلعة الطرب.

لينا شاماميان – فنّانة سوريّة.

 

التقاليد لا تتنافى مع الابتكار

كنان العظمة

خسارتنا كبيرة برحيل أحد أهمّ أعمدة الفنّ العربيّ؛ فنّ صادق، حقيقيّ وأصيل هو ما قدّمه لنا صباح فخري خلال مسيرته الطويلة.

أظهر لنا الأستاذ صباح قدرة هذا الفنّ على المعاصرة، وهو الّذي كان مجدِّدًا طيلة سنواته المعطاءة، وبيّن لنا أنّ الحفاظ على التقاليد الموسيقيّة الأصيلة لا يتنافى أبدًا مع التجديد والابتكار، وأنّ الإرث الموسيقيّ الكبير الّذي حمله، والّذي يعتبره الكثيرون مهدّدًا بالاندثار، إرث حيّ قادر على الاستمراريّة والبقاء عندما يُقَدَّم بالشكل الّذي يستحقّ.

عزائي لنا جميعًا ولعائلته الكريمة ومحبّيه الكثر في كلّ زوايا الأرض.

كنان العظمة - عازف كلارينيت سوريّ وملحّن يقيم في نيويورك.

 

حامي حلب وقلعتها

باسل رجوب

لطالما حرصت على تعليق صورتك في غرفتي الّتي أتدرّب فيها بجانب صورة مدينتي حلب؛ كنت وستظلّ حامي حلب وقلعتها وسوريا وأيّ محبّ للموسيقى الأصيلة والقدود. ستظلّ تضيء تلك الغرفة وقلبي طالما حييت، كما أضأت كلّ ذكرى لي من سوريا وحلب.

السلام لروحك الطاهرة، وكما قلت بلكنة حلب:"درب حلب ومشيتو كلّو سجر زيتون". 

السلام لروحك.
باسل رجوب - عازف سوريّ ومدرّس آلة الساكسفون في «المدرسة الدوليّة للموسيقى» في جنيف، سويسرا.